فصل: الحديث السَّادِس عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

رَوَى «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتمخر الرّيح- أَي: ينظر أَيْن مجْراهَا- لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ الْبَوْل».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ مَرْفُوعا من فعل سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا ورد من أمره، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن ثَابت فرخويه، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن سماك بن الْمفضل، عَن أبي رشدين الجندي، عَن سراقَة بن مَالك، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَتَى أحدكُم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة، وَاتَّقوا مجَالِس اللَّعْن: الظل وَالْمَاء وقارعة الطَّرِيق، واستمخروا الرّيح، واستشبوا عَلَى سوقكم، وَأَعدُّوا النبل» فَقَالَ أبي: إِنَّمَا يرويهِ مَوْقُوفا وأسنده عبد الرَّزَّاق بِأخرَة.
وَذكره الْخطابِيّ فِي غَرِيبه وَقَالَ: قَوْله: «استمخروا الرّيح» أَي: استقبلوها. وَقَالَ: قَوْله: «واستشبوا عَلَى سوقكم» أَي: انتصبوا عَلَى سوقكم، يُرِيد الاتكاء عَلَيْهَا فِي قَضَاء الْحَاجة، وَمِنْه شبوب الْفرس، وَهُوَ أَن يرفع يَدَيْهِ ويعتمد عَلَى رجلَيْهِ.
وَرَوَى أَبُو عبيد فِي كِتَابه غَرِيب الحَدِيث عَن عباد بن عباد، عَن وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة قَالَ: «كَانَ يُقَال: إِذا أَرَادَ أحدكُم الْبَوْل فليتمخر الرّيح» قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي أَن ينظر من أَيْن مجْراهَا فَلَا يستقبلها وَلَكِن يستدبرها كي لَا ترد عَلَيْهِ الرّيح الْبَوْل.
قلت: وَقَوله: «استمخروا» هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، كَذَا ضَبطه الْهَرَوِيّ فِي غَرِيبه، فَإِنَّهُ ذكره فِي بَاب الْمِيم مَعَ الْخَاء والمخر أَصله الشق قَالَ تَعَالَى: {وَترَى الْفلك مواخر فِيهِ} أَي شاقات.
وَقد جَاءَت: أَحَادِيث فِي كَرَاهِيَة الْبَوْل فِي الْهَوَاء لَكِنَّهَا ضَعِيفَة:

.أَحدهَا:

عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الْبَوْل فِي الْهَوَاء».
رَوَاهُ ابْن عدي والعقيلي وَالْبَيْهَقِيّ، وَفِي إِسْنَاده يُوسُف بن السّفر- بِفَتْح السِّين وَإِسْكَان الْفَاء- أَبُو الْفَيْض الشَّامي، قَالَ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ دُحَيْم: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مرّة أُخْرَى: مَتْرُوك يكذب. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. وَقَالَ الْعقيلِيّ: يحدث بمناكير قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَهُوَ لَا يُقيم من الحَدِيث شَيْئا. وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَافِظ أبي أَحْمد بن عدي أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع.

.الحديث الثَّانِي:

عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة، عَن الْحَضْرَمِيّ- وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا بَال أحدكُم فَلَا يسْتَقْبل الرّيح ببوله فَيردهُ عَلَيْهِ».
رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ فَقلت: مَا حَال مَحْفُوظ؟ فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ وَلَكِن الشَّأْن فِي يُوسُف بن خَالِد- يَعْنِي: ابْن عمر السَّمْتِي الْبَصْرِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده الَّذِي رَوَاهُ عَن عَمْرو بن سُفْيَان بن أبي البكرات، عَن مَحْفُوظ- كَانَ يَحْيَى بن معِين يَقُول: يكذب.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ هَالك، وَلَفظ أَحْمد فِيهِ: كَذَّاب خَبِيث عَدو الله رجل سوء، لَا يحدث عَنهُ أحد فِيهِ خير. وَقَالَ مرّة: زنديق لَا يكْتب حَدِيثه. وَرَوَى عَنهُ الشَّافِعِي وَقَالَ: كَانَ ضَعِيفا. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ يكذب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: كَذَّاب مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يضع الْأَحَادِيث عَلَى الشُّيُوخ وَيقْرَأ عَلَيْهِم ثمَّ يَرْوِيهَا عَنْهُم لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.

.الحديث الثَّالِث:

عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «مر سراقَة بن مَالك المدلجي عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن التغوط فَأمره أَن يتنكب الْقبْلَة وَلَا يستقبلها وَلَا يستدبرها، وَلَا يسْتَقْبل الرّيح، وَأَن يستنجي بِثَلَاثَة أَحْجَار لَيْسَ فِيهَا رجيع، أَو ثَلَاثَة أَعْوَاد أَو ثَلَاث حثيات من تُرَاب».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان النعماني، نَا أبوعتبة أَحْمد بن الْفرج، ثَنَا بَقِيَّة، حَدثنِي مُبشر بن عبيد، حَدثنِي الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن هِشَام بِهِ. ثمَّ قَالَ: لم يروه غير مُبشر بن عبيد وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. زَاد ابْن الْجَوْزِيّ فِي الضُّعَفَاء عَنهُ: يضع الْأَحَادِيث ويكذب.

.الحديث الرَّابِع:

عَن يزِيد بن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن خَلاد أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: إِذا خرج أحدكُم يتغوط أَو يَبُول فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها، وَلَا يسْتَقْبل الرّيح، وليمسح ثَلَاث مَرَّات، وَإِذا خرج الرّجلَانِ جَمِيعًا فليتفرقا، وَلَا يجلس أَحدهمَا قَرِيبا من صَاحبه وَلَا يتحدثان؛ فَالله يمقت عَلَى ذَلِك».
رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بشر الدولابي فِي «الْأَسْمَاء والكنى» عَن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ النَّيْسَابُورِي، نَا مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان، نَا يزِيد بن يَحْيَى بن أبي كثير قَالَ: أَخْبرنِي خَلاد فَذكره. وَعَزاهُ صَاحب الإِمام إِلَى الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي جمعه لحَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير قَالَ: وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن سِنَان الرهاوي وَفِيه ضعف. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي كِتَابه التَّذْكِرَة فِي الْأَحَادِيث المعلولة بعد أَن ذكر هَذَا الحَدِيث: يزِيد هَذَا لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث.
وَجَاء عَن حسان بن عَطِيَّة التَّابِعِيّ أَنه قَالَ: «يكره للرجل أَن يَبُول فِي هَوَاء، وَأَن يتغوط عَلَى رَأس جبل كَأَنَّهُ طير وَاقع» رَوَاهُ ابْن عدي.
فَإِذا علم ضعف هَذِه الْأَحَادِيث تعين الِاحْتِجَاج بِالْمَعْنَى الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ الإِمَام الرَّافِعِيّ أَولا، وَهُوَ لِئَلَّا ترد الرشاش عَلَيْهِ فيتنجس، ويستأنس بِهَذِهِ الْأَحَادِيث.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن سراقَة بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «علمنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَيْنَا الْخَلَاء أَن نتوكأ عَلَى الْيُسْرَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي عَاصِم، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المدلجي، عَن رجل من بني مُدْلِج، عَن أَبِيه قَالَ: قدم علينا سراقَة بن جعْشم، فَقَالَ: «علمنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَحَدنَا الْخَلَاء أَن يعْتَمد الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى» ترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ: بَاب الِاعْتِمَاد عَلَى الرجل الْيُسْرَى إِذا قعد إِن صَحَّ الْخَبَر فِيهِ. وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ مُحَمَّد بن أبي عبد الرَّحْمَن وَلَفظه «لقد أمرنَا أَن نتوكأ عَلَى الْيُسْرَى، وَأَن ننصب الْيُمْنَى».
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: لَا نعلم فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث غَرِيب جدًّا، لَا يرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَمُعَاوِيَة بن صَالح الْمَكِّيّ: لين ضَعِيف، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن: مَجْهُول لَا يعرف؛ فَالْحَدِيث مُنْقَطع. قَالَ الْحَازِمِي: وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: هَذَا الحَدِيث فِي حكم الْمُنْقَطع؛ لجَهَالَة الرجل من بني مُدْلِج. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَة: ضَعِيف. وَلما ذكر ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب حَدِيث سراقَة هَذَا وَلم يعزه؛ بل قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يثبت. قَالَ: ورُوي عَن أنس نَحوه. انْتَهَى.
فَليُحرر هَذَا مَعَ قَول الْحَازِمِي: «لَا نعلم فِي الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث».

.الحديث الرَّابِع عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اتَّقوا الْملَاعن وَأَعدُّوا النبل».
هَذَا الحَدِيث تبع الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي إِيرَاده إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ غَرِيب، وَلم يُخرجهُ أحد من أَصْحَاب السّنَن وَلَا المسانيد، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي علله كَمَا تقدم قَرِيبا فِي الحَدِيث الثَّانِي عشر، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أبعدوا الْآبَار إِذا ذهبتم الْغَائِط، وَأَعدُّوا النبل- يَعْنِي: الْحِجَارَة الَّتِي يتمسح بهَا- وَاتَّقوا الْملَاعن: لَا يتغوط أحدكُم تَحت شَجَرَة ينزل تحتهَا أحد، وَلَا عِنْد مَاء يُشرب مِنْهُ، فَيدعونَ الله عَلَيْكُم».
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي غَرِيب الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن عِيسَى بن أبي عِيسَى الْخياط، عَن الشّعبِيّ، عَمَّن سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «اتَّقوا الْملَاعن وأعدو النبل».
وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة؛ فَإِن عِيسَى بن أبي عِيسَى الْمَذْكُور ضَعِيف وَيُقَال فِيهِ: الْخياط والحناط والخباط، كَانَ فِي أول أمره خياطًا، ثمَّ صَار حناطًا يَبِيع الْحِنْطَة، ثمَّ صَار خباطًا يَبِيع الْخبط. قَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ سيء الْحِفْظ والفهم؛ فَاسْتحقَّ التّرْك. وَقد صرح غير وَاحِد من الْأَئِمَّة بِأَن هَذَا حَدِيث ضَعِيف. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: رَوَاهُ بعض أَصْحَاب الْغَرِيب وَلم أَجِدهُ ثَابتا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، وَلَا يحْتَج بِهِ.
قلت: وَلم يظفرا- رحمهمَا الله- بِالطَّرِيقِ الَّتِي قدمناها عَن علل ابْن أبي حَاتِم وَلَا شكّ وَلَا مرية فِي كَونهَا أَجود من هَذِه الطَّرِيق الَّتِي ذكرهَا أَبُو عبيد، وَلم يعللها ابْن أبي حَاتِم إِلَّا بِأَن عبد الرَّزَّاق أسْندهُ، وَإِنَّمَا يَرْوُونَهُ مَوْقُوفا، وَلَك أَن تَقول الرّفْع زِيَادَة من ثِقَة، وَهِي مَقْبُولَة عَلَى مَا تقرر غير مرّة. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أرَى النُّبَل- بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء- يُقَال: نبلني أحجارًا للاستنجاء، أَي: أعطنيها. قَالَ أَبُو عبيد: وَسمعت مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول: النبل هِيَ حِجَارَة الِاسْتِنْجَاء قَالَ أَبُو عبيد: والمحدثون يَقُولُونَ: النَّبل بِالْفَتْح-
يَعْنِي: بِفَتْح النُّون- أَيْضا ونراها إِنَّمَا سميت نبْلًا لصغرها وَهَذَا من الأضداد. فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال للعظام: نبل، وللصغار: نبل. وَقَالَ الْخطابِيّ فِي «إصْلَاح الْأَلْفَاظ الَّتِي يصحفها الروَاة»: يرْوَى «النبل» بِضَم النُّون وَفتحهَا، وَأكْثر الْمُحدثين يروونها بِالْفَتْح، والأجود الضَّم.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: النبل- بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة- الْأَحْجَار الصغار. وَلم يذكر غير هَذَا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته فِي هَذَا الحَدِيث: النبل هِيَ الْحِجَارَة الصغار الَّتِي يُستَنْجَى بهَا، وَاحِدهَا نبلة، كغرفة وغرف، والمحدثون يفتحون النُّون وَالْبَاء كَأَنَّهُ جمع نبيل فِي التَّقْدِير، والنبل بِالْفَتْح فِي غير هَذَا الْكِبَار من الْإِبِل وَالصغَار. وَهُوَ من الأضداد. وَفِي شرح التَّعْجِيز لمصنفه: النبل- بِضَم الْبَاء- جمع نبيل كسرير وسرر. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المحدثون يَقُولُونَهُ بِفَتْح الْبَاء جمع نبيل كسورة وسور.
قلت: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد والدرامي فِي مسنديهما وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار يَسْتَطِيب بِهن؛ فَإِنَّهَا تُجزئه».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: إِسْنَاده حسن، وَقَالَ فِي علله: إِسْنَاد مُتَّصِل صَحِيح.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الأول والأخير فِي هَذَا الْبَاب والثَّانِي فِي اللبَاس وَالثَّالِث فِي الزِّينَة، من رِوَايَة أنس رَضي اللهُ عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيحه وتضعيفه فضعفه جمَاعَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَإِنَّمَا يُعرف عَن ابْن جريج، عَن زِيَاد بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من وَرِقٍ ثمَّ أَلْقَاهُ» وَالوهم فِيهِ من همام، وَلم يروه إِلَّا همام.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث يروه هَكَذَا همام عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس مَرْفُوعا، رَوَاهُ عَنهُ كَذَلِك سعيد بن عَامر وهدبة بن خَالِد، وَخَالَفَهُمَا عَمْرو بن عَاصِم؛ فَرَوَاهُ عَن همام، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس مَرْفُوعا، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ جماعات عَن ابْن جريج، عَن زِيَاد بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَنه رَأَى فِي يَد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا من ذهب فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: وَالله لَا ألبسهُ أبدا» قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ وَهُوَ الصَّحِيح عَن ابْن جريج. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن جريج دون حَدِيث همام.
وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح وَقَالَ: هُوَ وهم وَقَالَ الْحَازِمِي: لم يرو هَذَا الحَدِيث بِهَذَا السِّيَاق إِلَّا همام. وَوهم فِي ذَلِك.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث ضعفه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَخَالفهُم التِّرْمِذِيّ فصححه. وقَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ. انْتَهَى من ضعفه.
وَالصَّوَاب أَنه حَدِيث صَحِيح بِلَا شكّ وَلَا مرية، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي؛ فَإِن رُوَاته كلهم ثِقَات أثبات. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد: همام هَذَا هُوَ أَبُو عبد الله همام بن يَحْيَى بن دِينَار الْأَزْدِيّ العوذي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ، وَإِن كَانَ قد تكلم فِيهِ بَعضهم فقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بحَديثه، وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: همام قوي فِي الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة صَالح. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: ثَبت فِي كل الْمَشَايِخ. وَقَالَ ابْن عدي الْجِرْجَانِيّ: همام أشهر وأصدق من أَن يذكر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، أَو لَهُ حَدِيث مُنكر؟! وَأَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة عَن قَتَادَة، وَهُوَ مقدم أَيْضا فِي يَحْيَى بن أبي كثير، وَعَامة مَا يرويهِ مُسْتَقِيم. قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ الْمُنْذِرِيّ: فَإِذا كَانَ حَال همام كَذَلِك فيترجح مَا قَالَه التِّرْمِذِيّ وتفرده بِهِ لَا يوهن الحَدِيث، وَإِنَّمَا يكون غَرِيبا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ.
قلت: لم يتفرد همام بِهِ، وَكَأن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ تبع فِي ذَلِك مقَالَة أبي دَاوُد الَّتِي قدمناها عَنهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: تَابعه عَلَيْهِ يَحْيَى بن الضريس، عَن ابْن جريج. وَيَحْيَى بن الضريس ثِقَة، وَتَابعه أَيْضا يَحْيَى بن المتَوَكل وَهُوَ ثِقَة- كَمَا سَيَأْتِي- فعلَى هَذَا انْتَفَى دَعْوَى التِّرْمِذِيّ غرابته. ويرجح مَا جنح إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ من تَصْحِيحه أَيْضا مَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام وَهُوَ ضعف الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى وهم همام؛ فَإِن انْتِقَال الذِّهْن من قَوْلنَا: «اتخذ خَاتمًا من ورق ثمَّ أَلْقَاهُ» إِلَى قَوْله: «كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» لَا يكون إِلَّا عَن غَفلَة شَدِيدَة لَا يحْتَمل مثل همام مثلهَا، نعم فِي رِوَايَة هدبة بن خَالِد، عَن همام: وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، وَهَذِه عبارَة تشعر بِعَدَمِ تَيَقّن، فَإِن كَانَ قَائِل هَذَا الْكَلَام هُوَ هدبة فَلَا يضر، وَإِن كَانَ هُوَ همام فقد يضم إِلَى مُخَالفَة الْجُمْهُور لَهُ ويوقع شَيْئا فِي الْوَهم، وَعَلَى الْجُمْلَة فالجاري عَلَى قَوَاعِد الْفِقْه وَالْأُصُول قبُول رِوَايَة الثِّقَة فِي مثل هَذَا، مَعَ أَن لَهُ شَاهدا من رِوَايَة يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي، عَن يَحْيَى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس خَاتمًا نقشه: مُحَمَّد رَسُول الله. فَكَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وَضعه». أخرجه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: هَذَا شَاهد ضَعِيف.
قلت: فِيهِ نظر إِذْ لَيْسَ فِي إِسْنَاده من تكلم فِيهِ، وَيَحْيَى بن المتَوَكل لَا أعلم فِيهِ إِلَّا قَول ابْن حبَان: إِنَّه يُخطئ. وَصَححهُ الْحَاكِم من طَرِيقه- كَمَا سَيَأْتِي- وَلَيْسَ هَذَا بِيَحْيَى بن المتَوَكل الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو عقيل، ذَاك ضَعِيف كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَأحمد وابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَغَيرهم، وَقد فرق بَينهمَا الْمزي وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ.
وَله شَاهد ثَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء نزع خَاتمه» رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الجوزقاني فِي كتاب الموضوعات رادًّا بِهِ عَلَى حَدِيث عَلّي الَّذِي سأذكره آخر الْبَاب من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ.
وَقد صحّح الحَدِيث الْمَذْكُور مَعَ التِّرْمِذِيّ إمامان جليلان، أَحدهمَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه فَإِنَّهُ أخرجه بعد أَن ترْجم «الْخَبَر الدَّال عَلَى نفي إجَازَة دُخُول الْخَلَاء بِشَيْء فِيهِ ذكر الله» عَن عمرَان بن مُوسَى بن مجاشع، ثَنَا هدبة بن خَالِد، ثَنَا همام بن يَحْيَى، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه».
ثمَّ قَالَ: ذكر السَّبَب الَّذِي من أَجله كَانَ يضع خَاتمه عِنْد دُخُول الْخَلَاء، أَنا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي عون ثَنَا أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، ثَنَا أبي، عَن ثُمَامَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ نقش خَاتم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر».
وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ فِي «أَخْلَاق سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» من حَدِيث أنس أَيْضا، وَلَفظه «كَانَ فص خَاتم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حبشِي وَكَانَ مَكْتُوب عَلَيْهِ: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. لَا إِلَه إِلَّا الله سطر، وَمُحَمّد رَسُول الله سطر» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ثُمَامَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ نقش خَاتم رَسُول الله ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وسطر الله»..
وَالثَّانِي: الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَإِنَّهُ أخرجه فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ عَن عَلّي بن حمشاذ الْعدْل، ثَنَا عبد الله بن أَيُّوب بن زَاذَان ح.
قَالَ: وَأخْبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَالَوَيْهِ، نَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَا: ثَنَا هدبة بن خَالِد، نَا همام نَا ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ- قَالَ: وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن الزُّهْرِيّ- عَن أنس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه».
قَالَ الْحَاكِم: وثنا عَلّي بن حمشاذ، ثَنَا عبيد بن عبد الْوَاحِد، ثَنَا يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي، ثَنَا يَحْيَى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لبس خَاتمًا نقشه: مُحَمَّد رَسُول الله. فَكَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وَضعه». قَالَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَإِنَّمَا أخرجَا حَدِيث نقش الْخَاتم فَقَط.
فتلخص من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة أَنه حَدِيث صَحِيح مُحْتَج بِهِ، وَهُوَ الْحق- إِن شَاءَ الله- لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد فِي آخر كِتَابه الاقتراح فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث رَوَاهَا من أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث.
قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: وَإِنَّمَا نزع خَاتمه لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ فقد أخرجه بِهَذِهِ الزِّيَادَة الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ كَمَا مر، وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ كَمَا قَالَ صَاحب الْمُهَذّب: وَإِنَّمَا نَزعه؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله. قَالَ: هَذَا هُوَ من كَلَام المُصَنّف لَا من الحَدِيث. قَالَ: لكنه صَحِيح؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَن نقش خَاتمه كَانَ: مُحَمَّد رَسُول الله» هَذَا لَفظه برمتِهِ، وَكَذَلِكَ فصل الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب فجعلهما حديثين، وَقد مر فِي رِوَايَة الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَن ذَلِك كُله ورد فِي حَدِيث وَاحِد.
وَمن الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة فِي هَذَا الْبَاب مَا ذكره ابْن الجوزقاني فِي مَوْضُوعَاته وَابْن الْجَوْزِيّ فِي علله- وَضَعفه- عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء حول خَاتمه فِي يَمِينه؛ فَإِذا خرج وَتَوَضَّأ حوله فِي يسَاره».
وَفِي كَامِل ابْن عدي من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتختم فِي خِنْصره الْأَيْمن؛ فَإِذا دخل الْخَلَاء جعل الْكِتَابَة مِمَّا يَلِي كَفه» ذكره فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، وَهُوَ مَتْرُوك.
فَائِدَة: فِي الْخَاتم لُغَات شهيرة، مِنْهَا أَربع لُغَات: فتح التَّاء وَكسرهَا، وخاتام وخيتام وَفِي الْمدْخل لِابْنِ هِشَام لُغَتَانِ أخرتان: ختام وَختم.
وَقَوله: إِذا دخل: إِذا أَرَادَ الدُّخُول. والخلاء- بِالْمدِّ-: الْموضع الْخَالِي.

.الحديث السَّادِس عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فلينتر ذكره».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن قَانِع فِي مُعْجَمه والعقيلي فِي تَارِيخه من رِوَايَة يزْدَاد- وَيُقَال: أزداد- بن فساءة الْفَارِسِي مولَى بحير بن ريسان الْيَمَانِيّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا بَال أحدكُم فلينتر ذكره ثَلَاثًا».
هَذَا لَفظهمْ، وَفِي إِحْدَى روايتي ابْن قَانِع وَأبي نعيم وَلَفظ الْعقيلِيّ:
«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا بَال نتر ذكره ثَلَاثًا».
قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي الْأَطْرَاف: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: هَذَا الحَدِيث مُرْسل. وَقَالَ فِي كِتَابه تَهْذِيب الْكَمَال: اخْتلف فِي صُحْبَة يزْدَاد.
قلت: ذكره فِي الصَّحَابَة: ابْن مَنْدَه، وَأَبُو نعيم، وَابْن عبد الْبر وَقَالَ: قَالَ ابْن معِين: لَا يعرف عِيسَى وَلَا أَبوهُ. وَهُوَ تحامل مِنْهُ، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: عِيسَى بن يزْدَاد الْيَمَانِيّ، عَن أَبِيه لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ. قَالَ البُخَارِيّ: عِيسَى بن يزْدَاد، عَن أَبِيه، رَوَى عَنهُ زَمعَة، وَلَا يَصح. ثمَّ ذكر الْعقيلِيّ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ ابْن حبَان فِي ثقاته: يزْدَاد بن فساءة يُقَال أَن لَهُ صُحْبَة، إِلَّا أَنِّي لست أحتج بِخَبَر زَمعَة بن صَالح.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنه ضَعِيف وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ مُرْسل وَلَا صُحْبَة لِيَزْدَادَ. قَالَ: وَمِمَّنْ نَص عَلَى أَنه لَا صُحْبَة لَهُ: البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَابْنه عبد الرَّحْمَن وَأَبُو دَاوُد وَابْن عدي الْحَافِظ وَغَيرهم. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين وَغَيره: لَا نَعْرِف يزْدَاد. قَالَ النَّوَوِيّ: ويزداذ- بزاي ثمَّ دَال مُهْملَة ثمَّ ألف ثمَّ ذال مُعْجمَة- وفساءة- بِالْفَاءِ وَالسِّين الْمُهْملَة المخففة وبِالْمدِّ- وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِي حَدِيث عِيسَى بن يزْدَاد عَن أَبِيه: إِن يزْدَاد لَيست لَهُ صُحْبَة، وَمن النَّاس من يدْخلهُ فِي الْمسند، وَهُوَ وَأَبوهُ مَجْهُولَانِ. وَقَالَ عبد الْحق. هَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ ابْن الْقطَّان: لِأَن عِيسَى وأباه لَا يُعرفان، وَلَا يُعلم لَهما غير هَذَا الحَدِيث.
قلت: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة عَلَى أصل الِاسْتِبْرَاء الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته وثبوته من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «مر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بحائط من حيطان مَكَّة- أَو الْمَدِينَة- فَسمع صَوت إنسانين يعذبان فِي قبورهما، فَقَالَ: يعذبان، وَمَا يعذبان فِي كَبِير؛ بلَى كَانَ أَحدهمَا لَا يستبرئ من بَوْله، وَكَانَ الآخر يمشي بالنميمة. ثمَّ دَعَا بجريدة فَكَسرهَا كسرتين، ثمَّ وضع عَلَى كل قبر مِنْهَا كسرة، فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله، لم فعلت هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّه يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا- أَو إِلَى أَن ييبسا». رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من طرق، وَفِي رِوَايَة لَهما:
«لَا يسْتَتر من بَوْله» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَا يستنزه عَن الْبَوْل- أَو من الْبَوْل». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «لَا يستبرئ».
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث أبي بكرَة عَلَى شَرط الصَّحِيح: «إِن عذابهما كَانَ من الْغَيْبَة وَالْبَوْل».
وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «عذَابا شَدِيدا فِي ذَنْب هَين...» الحَدِيث بسياقة الصَّحِيح.
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة «إِن القبرين بِالبَقِيعِ».
وَهُوَ فِي بعض طرق البُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج من بعض حيطان الْمَدِينَة فَسمع صَوت إنسانين يعذبان فِي قبورهما...» الحَدِيث.

.الحديث السَّابِع عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار يَسْتَطِيب بِهن؛ فَإِنَّهَا تُجزئ عَنهُ».
هَذَا الحَدِيث حسن، وَتقدم بَيَانه فِي آخر الحَدِيث الرَّابِع عشر.

.الحديث الثَّامِن عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الِاسْتِنْجَاء بالروث والرمة».
هَذَا حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ جماعات من الْأَئِمَّة، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي أول هَذَا الْبَاب.